صرح رئيس الـمكتب السياسي في الـحزب السوري القومي لـمخبر النهضة أنّ هذا الـحزب سيقف من الانتخابات موقفاً سياسياً. أي أنه سوف لا يدخل معركة الأشخاص والـمنافع الشخصية التي يقوم عليها الاتـجاه الانتخابي.
يعدّ هذا التصريح، الذي نشرته النهضة في عدد سابق[1]، فتحاً سياسياً جديداً، لأنها الـمرة الأولى في تاريخ هذه البلاد السياسي الـحديث التي تـجد فيها النظرة السياسية الـمجموعية تسيطر على الاتـجاهات السياسية. فالـحزب السوري القومي قد برهن، هذه الـمرة أيضاً كما برهن سابقاً في كل ظرف وفرصة، على أنه منظمة تنظر في أحوال الوضع السياسي العام وشؤون مجموع الـحزب وتضع هذه الشؤون فوق جميع الاعتبارات.
إنها الطريقة العملية الوحيدة لإنقاذ الـمجموع من أمراض الشؤون الشخصية وسيطرة الـمصالح الفردية، وإنها الطريقة العملية الأولى لتربية الشعب على حب الـمصلحة العامة وتفضيل نظرة الـمنظمة على نظرة الفرد الأولية الناقصة الـمبنية على رغبات خاصة قد تتفق في الأقل النادر مع الـمصلحة الـممثلة الـمجموع، ويكون اتفاقها موقتاً، وكثيراً ما تصطدم مع إرادة الـمنظمة أو الـمجموع الصادرة عن الـحاجة العامة الرئيسية.
لا شك في أنّ هذه الطريقة ستصدم أفراداً كثيرين لا يزالون يتبعون الأساليب الفرديـة العتيقـة القائمـة على قـاعـدة التسـويـات الـموقتـة والتكيـف حسب مقتضيات
الظروف. وكثير من الذين لا أهلية لهم لإذابة خصوصياتهم وإخضاعها لنظام الـجماعة، ويظنون الـحزب منظمة ضعيفة قابلة للاستثمار والاستغلال الشخصيين، سيصطدمون بالقواعد السياسية الفنية والأساليب الترتيبية التي يبتكرها هذا الـحزب، ويظهر بها نبوغ الأمة وشعورها بشخصيتها ومقدرتها على توليد نهضتها، وستكون الصدمات شديدة الوقع عليهم، فتثور في أنفسهم ثائرة الـمبررات الشخصية التي لا يزال لها تقدير كبير في بيئتنا، نظراً للمجرى العميق الذي حفره تاريخ الـمصالح الفردية الطويل في حياة الشعب.
وقد أصبح معلوماً أنّ الـحزب السوري القومي حزب كبير قوي ذو فاعلية شديدة عجيبة ولدت في أفراده بطولة رفعتهم فوق الأفراد العاديين. وكان من الـمحتمل أن يدفع الأثرة وحب الظهور عدداً من أفراده اللامعين لاستخدام هذه القوة لإشباع بعض الرغبات الـمتولدة فيهم، ولكن موقف الـحزب في هذا الصدد كان بالـحقيقة ساحراً. فإن أركانه الـحقيقيين أنكروا أنفسهم وقاموا يعملون ليل نهار، مضحّين برغباتهم وميولهم ومنافعهم في سبيل مصلحة واحدة هي مصلحة الـحزب. أما الذين دخلوا في صفوف هذا الـحزب وفي نيّتهم أن يُخضِعوا هذه الـمنظمة القومية لـمآربهم فقد وجدوا من الـحزب صدراً رحباً. ولكنهم وجدوا أيضاً قاعدة ثابتة لكل أمر وكل قرار هي: الـحزب والقضية.
لقد بلغنا خبر الكثير من الـمحاولات الـخارجية لـحمل أفراد الـحزب على العمل على توجيه الـحزب حسب ما يحسنون لهم. ولكن موقف هذا الـحزب القومي الرصين جعل أهل الرأي يعجبون بهذه الإرادة القومية الصحيحة، وهذا التفاني في حب القضية والنزاهة في القصد العام.
وكان موقف الـحزب من بعض أفراده الذين أرادوا أن يوجدوا قضايا شخصية في داخله موقفاً يدعو إلى الإعجاب الشديد بصلابة هذه الـمنظمة، ومتانة وحدتها القائمة على أسس متينة.
في هذا الـموقف الانتخابي ضحى الـحزب السوري القومي بـممكنات كثيرة في سبيل سياسته العامة. ولأول مرة في تاريخ الانتخابات نـجد أفراداً يتقدمون إلى صندوق الانتخاب ليضعوا فيها أوراقاً لا تـمثّل رغائبهم الفردية بل تـمثّل إرادة الـحزب.
ولأول مرة في تاريخ الانتخابات، نرى حزباً يقف من الانتخابات موقفاً لا تظهر فيه سوى إرادة الـمنظمة التي يثق كل فرد من أفرادها، بل يؤمن إيـماناً بأن ما تقرره لا يـمكن أن يكون إلا لأسباب جوهرية من القضية القومية والـمصلحة العامة.
وظهر جلياً من موقف الـحزب السوري القومي، بالنسبة إلى غيره، أنه الـحزب الوحيد الـمنزّه عن الغرض الـخاص، وأنه الـحزب الوحيد الـمعاون على تثبيت النظرة القومية في العهد الـجديد وفسح مجال الاختبار للحكم الوطني الذي يجب أن يثبت أولاً ويصلح ثانياً. ولكي نخرج من الـمجاز نلفت النظر إلى الـمشاغبات الشيوعية وأعمال التفسخ التي يقومون بها.
ولعل أولي الأمر أصبحوا يقدّرون قيمة العمل القومي التعميري الذي ينصرف إليه الـحزب السوري القومي. ولعلهم بعد هذا الـموقف البديع، وبعد تصريح حضرة زعيمه عن موقف الـحزب من الكيان اللبناني، يرون أنّ مصلحة الوطن تقضي بفسح الـمجال لهذا الـحزب القومي ليعمل عمله الإصلاحي في جسم مجتمعنا.